·إننا نفهم أن اختلاف العلماء والمجتهدين في الفروع والمسائل الاجتهادية رحمة وسعة للأمة وإثراء لها ولحركتها الفقهية والفكرية .. كما نراه واضحاً في الثروة الفقهية التي تركها لنا الأئمة والعلماء والتي كانت نتاج بحث ونظر في الأدلة .. ومناقشات وحوارات مستمرة.
·ومما لاشك فيه أن اختلاف العلماء واقع لا محالة .. ذلك أن الاختلاف سنة كونية قدرية .. واختلاف العلماء وإنما يرجع إلى اختلاف العقول وتفاوت الأفهام .. إضافة إلى تفاوت قدرتهم على البحث والاجتهاد .. وكذلك اختلاف قدر ما حازوا من العلم وتباين طرق التعلم والتعليم بين المسلمين .. كما أن النصوص أغلبها ظنية تحتمل تعدد الوجوه .. كما أن الوقائع وأحداث الزمان غير محدودة .. ومن هنا تختلف الأحكام والاجتهادات من عالم لآخر .. ومن مجتهد لمجتهد.
·إننا ندرك أن الأصول الثابتة بنصوص الكتاب والسنة القطعية وإجماع الأمة هي بمثابة الدين المشترك بين الأنبياء .. كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ليس لأحد الخروج عليها أو المنازعة فيها .. فمن خرج عنها أو نازع فيها كان من أهل الفرقة والبدعة).
·وأما فيما دون ذلك من اختلافهم في المسائل الفقهية الاجتهادية فهو اختلاف رحمة للمؤمنين ما لم يكن خلافاً شاذاً أو خارقاً للإجماع.
·وهو يوسع على المكلفين نظراً لتفاوت الهمم وتنوع العزائم .. واختلاف الظروف والأحوال .. لكنه مقيد بعدم جواز تتبع رخص العلماء .. فضلاً عن الزلات والسقطات كما أشار إلى ذلك ابن عبد البر.
·إننا نؤمن أن الاجتهاد في الفروع لا يجعل أساساً للولاء والبراء .. مهما بلغت درجة القناعة بهذا الرأي أو ذاك .. فالدين وسط بين ترخص المترخصين في مواضع القطع وتشدد المتشددين في مواضع الاجتهاد.
·وقد وقع الاختلاف الفقهي على مدار تاريخ الإسلام حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في أمره بصلاة العصر في بني قريظة وعدم إنكاره على المختلفين .. وكذلك اختلف علماء الأمة فلم يروا فيه شرا ولم يحمل أحدهم غيره على مذهبه ولم يسفه رأيه أو يتهمه في علمه .. بل كان خلافاً يظلله الأدب ويحدوه الحب والإخاء.