كفى حجا .. تطوعا
يقول د. يوسف القرضاوي في كتابه فقه الأولويات عندما تكلم عن خطأ الاشتغال بالسنن عن الفرائض: «فمن المتدينين من يحج الحجة الخامسة أو العاشرة أو العشرين وربما الأربعين، ويعتمر في كل عام في شهر رمضان وينفق آلاف الجنيهات أو الدنانير أو الريالات، وهناك مسلمون يموتون من الجوع - حقيقة لا مجازا - في بعض الأقطار كالصومال، وآخرون يتعرضون للإبادة الجماعية والتصفية الجسدية كما رأينا في البوسنة والهرسك وفلسطين وكشمير وغيرها، فهؤلاء بحاجة الى اي معونة من أخوانهم، لإطعام الجائع وكسوة العاري ومداواة المريض وإيواء المشرد، وكفالة اليتيم ورعاية الشيخ والأرملة والمعوق، أو لشراء السلاح الضروري للدفاع عن النفس.
وهناك آخرون يتعرضون للغزو التنصيري ولا يجدون مدرسة للتعليم ولا مسجدا للصلاة ولا داراً للرعاية ولا مستوصفا للعلاج، ولا مركزاً للدعوة ولا كتابا للقراءة، في حين نجد سبعين في المائة من الحجاج كل عام ممن حجوا قبل ذلك اي يحجون تطوعا وينفقون مئات الملايين طيبة بها أنفسهم ولو فقهوا دينهم وعرفوا شيئا من فقه الأولويات، لقدموا إنقاذ إخوانهم المسلمين على استمتاعهم الروحي بالحج والعمرة، ولو تدبروا لعلموا ان الاستمتاع بإنقاذ المسلمين أعمق، وأعظم من استمتاع عارض قد يشوبه بعض التظاهر أو الرباء، وصاحبه لا يشعر» انتهى.
وليست حادثة عبداللّه بن المبارك التابعي الجليل عنا ببعيدة عندما اراد الحج وخرج له ثم رأى امرأة في طريقه تأكل من بقايا النفايات، فرجع على عقبه عائدا وانفق كل زاد القافلة على المساكين.
ان المعادلة واضحة، انفاق المال لانقاذ مسلم من الموت اولى من حج تطوع، وحج التطوع اكيد افضل من المكوث في البيت، فكلامنا عن كمال العبادة واولاها، الاسلام الممزق في انحاء الارض، امتنا التي تكالبت عليها الامم، مسلمو افريقيا الذين يموتون يومياً جوعا وفقرا هم اولى، وروى لي عن عبدالرحمن السميط انه في افريقيا من يموت لانه لا يملك ثمن الدواء الذي سعره 16 فلساً!.
حتى لا يفهم كلامي خطأ، فالحاج منا من يريد ان ينفق اموالا ولو قلت ليحج حجته النافلة العاشرة أو العشرين، امواله هذه اجدى بها ان تكون في فم مسلم تدركه من الهلاك أو في سلاح مجاهد في فلسطين يذود به عن كرامة الامة، لا ان يحجم عن حجته ويمكث في بيته فلا هو كفر عن ذنوبه بالحج ولا هو انفقها في سبيل اللّه.
لكي لا اطيل، هي رسالة لمن كثر حجه خصوصا الملتزمين منا ان يراجع نفسه في كثرة حجه، لا مانع من ان يزيد المسلم على حج الفريضة بالثانية والثالثة، لكن ان يكون الاصل ان كل سنة يحج ولا يتغيب عن الحج الا بعارض يمنعه، اعتقد ان امواله هذه، ولو كان اداريا في حملة او بسيارة حاجا مع رفقائه، دنانيره صبت في المفضول من العبادة.
هي وجهة نظر قد تكون خطأ، نسأل اللّه ان يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.