تحرش عام الرمادة بقلم/ محمد منير
في العام الثامن عشر من الهجرة خلال فترة خلافة عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»، حل القحط على أرض الحجاز فضرب الضعف الوحوش الضارية فآوت إلى الناس بعد أن باتت لا تقوى على مهاجمتهم، وكان الرجل يذبح الشاة فيعافها ولا يأكلها من قُبحها بعد أن ذبلت وضعفت.
وقد سمى هذا العام بعام «الرمادة» نسبة إلى الأرض التي من فرط جفافها كانت أقرب إلى الرماد، وقيل أيضاً إن وجوه الناس من شدة الجوع والضعف كانت أقرب إلى لون الرماد.
وقيل إن الفاروق عمر بن الخطاب لم يكن يُطبق حد السرقة في تلك الفترة، وهذا غير صحيح.. لكن الحقيقة أن مَن يقرأ شروط تطبيق حد السرقة سيعرف أن رحمة الإسلام حالت بصورة تلقائية دون تطبيقه، والتي منها شرط أن يكون السارق معذوراً أو مضطراً للسرقة من أجل إطعام صغير، أو علاج مريض أو ما شابه ذلك، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
ولعمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كلمة شهيرة عندما سأل أحد الولاة: ماذا تفعل إن جاءك سارق؟! قال: أقطع يده، فقال له عمر، وأنا سأقطع يدك إن جاءني جائع!
أردت مما سبق أن أُوضح أن المجتمع كل لا يتجزأ، سياسة وثقافة ودين و«بنى آدمين»، فالجميع يتقاسم المسؤولية قبل أن أتطرق لقضية التحرش الشهيرة، والتي لا يختلف موقفي منها عن موقف كل إنسان لديه نخوة رجل تجاه فتاة قد تكون أخته أو ابنته أو زوجته.
لكن لا أفضل الطريق السهل الذي اتخذه الجميع تجاه شباب غير مسئول دون التفكير فيما وراء «التحرش».. لأن القضاء على تلك الظاهرة لن يكون فقط بالقوانين والعقاب الرادع رغم أهميتهما، لكن يجب أن نفكر أولاً في حياة «الرمادة» الأخلاقية التي يعيشها هؤلاء الشباب، حتى لا نكون كالذي يجلس أسفل صنبور يُجفف المياه ولم يفكر في غلق الصنبور.
فهذه الظاهرة دخيلة على المجتمع المصري ولم تتفش إلا خلال السنوات الأخيرة في ظل تدنى مستوى التعليم، والثقافة، وارتفاع البطالة التي وصلت نسبتها إلى ٢٥%، وطبقاً للإحصاءات فإن ٤٩% من مدمني المخدرات عاطلون عن العمل، وعدد من يُعالجون من الإدمان ارتفع من ٤١٣١ عام ٢٠٠٢، ليصل ٢١٤٩٩ مدمناً عام ٢٠١١، هذا خلاف المسجلين، وغير القادرين على العلاج، ويكفى أن نعرف أن حجم ما أنفق على المخدرات في مصر عام ٢٠١١ تجاوز ١٣.٨ مليار جنيه أي أكثر من ضعف عائدات قناة السويس.
هذا إضافة إلى ظاهرة التدهور الأخلاقي الذي تفاقم في ظل غياب القدوة في كل مناحي الحياة وفى ظل إعلام يُعظم السلبيات في المجتمع، فهؤلاء الشباب يعيشون حالة من الضبابية حتى على مستوى الدين والعقيدة.
فماذا تُريد من شباب في عصر فتاوى جهاد النكاح، ونكاح الوداع، وزواج الصغيرة، فتكفيهم فقط فتاوى ياسر برهامى التي منها جواز أن «يدفع الزوج الخطر عن نفسه بترك زوجته تُغتصب»!! والتي تُحفز على قتل النخوة في هؤلاء الشباب! .. أو فتواه بعدم جواز قتل الزوج لزوجته الزانية وعشيقها «لمجرد رؤيتهما عاريين ما لم يرَ الفَرْج في الفَرْج»!! وفتاوى تُحرم ما ليس حراماً، وتُحلل ما ليس حلالاً.
يا سادة قبل أن تحاكموا الشباب، حاكموا أولاً مَنْ أفقدوا الدين والمجتمع إنسانيتهما وأخلاقهما!
الأربعاء الموافق
27 شعبان 1435
25-6-2014
عودة الى مقالات
|