محمد يسري سلامة .. أيها الناس؟ بقلم د/ جمال المنشاوي
ها أنا ذا أستعير نفس عنوان مقالة كان قد كتبها الراحل العظيم والذي قد يجهله الكثيرون.. ولكن مع وضع اسمه بدلاً من أحمد حرارة والذي كتبها له بعد فقد عينيه الاثنتين في أحداث الثورة استشعارا ً لأهميته وقدره المميز.. وكانت بعنوان "أحمد حرارة .. أيها الناس" .
والفقيد محمد يسري سلامة طبيب أسنان وناشط سياسي أصابته المنية من حوالي أسبوعين بعد مرض قصير وفجعت فيه الأوساط السياسية والثورية فجيعةً كبيرةً لتميزه العلمي والمنهجي والأخلاقي.. حيث جمع بين المنهج السلفي حيث ينتمي للمدرسة السلفية بالإسكندرية.. وكان أول متحدث رسمي لحزب النور .
لكنه استقال منه وانضم لحزب الدستور المعروف بليبراليته .. حيث يرأسه الدكتور محمد البرادعي .. فجمع بين أمرين يبدوان في ظاهرهما متناقضين .. لكنه بفهمه العالي أخذ الأرضية المشتركة بين الأمرين.. وهو العمل علي تحقيق أهداف ثورة 25 يناير والتي تشمل "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامه إنسانيه" .. وهي لا تتعارض مع الشريعة في شيء.. بل إنها تكاد تكون روح الشريعة ومقاصدها الأساسية.
حيث تصب في حفظ هذه المقاصد الخمس: " حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ".
وارتاح بوجوده وسط حزب الدستور.. حيث يعطي له حرية أكبر في الحركة وسط الشباب الثوري.. ويعطي له مرونة في الاستجابة للتغيرات والأحداث السريعة المتلاحقة .. وبما يسمح له بالتفاعل معها عن طريق اشتراكه في المظاهرات والاحتجاجات التي كان يعشقها كوسيلة تعبير سريعة دون انتظار آراء المشايخ .
وهم الذين قد تكون طبيعتهم الشخصية لا تنسجم مع هذا الأسلوب الجديد فيكبتون طاقته المتفجرة والمتفاعلة مع الأحداث فتخلق له صراعا ً داخليا ً لا يستطيع تحمله أو التكيف والتعايش معه .
لذا كان الراحل صادقا ً مع نفسه وقناعاته.. فاختار طريق الثورة والسير في ركابها والعمل علي تحقيق أهدافها التي كان يظن أنها تضيع بمرور الأيام .
كان محمد يسري رحمه الله طاقة علمية جبارة متمكنة.. علم مؤصل بفهم السلف الصالح وكان ابن تيمية بعلمه وبحثه ودقته وشجاعته وثوريته نموذجاً له وقدوة يحتذي بها في مقاومة الظلم والظالمين.. محققا ً التطبيق الفعلي الحقيقي للسلفية المتحركة الواقعية المجاهدة التي تستجيب لنداء الأمة وتتصدر المشهد الجهادي المدافع عن الأمة وحقوقها.
ولذا لم يكن غريبا ً علي محمد يسري أن يحظي بهذا المدح الفريد وغير المسبوق من شيخ السلفية بالإسكندرية وأستاذ الجميع القامة والقيمة فضيلة الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم .. حيث قال عنه إن:
"خسارته كبيرة جدا ً برحيله وهو في شرخ الشباب.. وإن أكبر الخاسرين هم الذين لا يحسون بقيمته أو الذين خاضوا فيه في حياته أو بعد مماته".
وقال عنه:
" لقد كان محمد يسري كنزا ً مخبوءً يصعب جدا ً تكراره.. يتميز بالذكاء العالي والشخصية المستقلة.. وإذا اختلفت معه لابد أن تكون حذرا ً عند الاختلاف لأن أرائه تُبنَي علي دراسة علمية وأرضية منهجية.. فلا يعرف التفاهة ولا السطحية ولا السفاهة ، ولا الاندفاع في مواقفه.. وهو مسلم معتز بإسلامه .. وسلفي حتى النخاع ولم أرَ أحدا ً يفهم السلفية مثله.. وهو عاشق للمخطوطات ونالَ دبلوماً في معهد المخطوطات وكان رحالة في طلب العلم.. عروبي شديد التمسك بعروبيته التي من مظاهرها تمسكه الشديد باللغة العربية وشديد العداوة للشعوبية وطنياً يحب وطنه جدا ً جدا ً .. وكانت هذه نقطة محورية في اشتراكه المبكر في الثورة بالرغم من اعتراض مشايخ السلفية عليها ".
وأيضا ًجعل هذا له شعبية كبيرة بين الثوار من جميع الأطياف والاتجاهات .
كان شاعرا ً ينظم الشعر كأحسن ما يكون المتمكنين منه .. ولعل البيت الأخير الذي كتبه يدل علي ذلك حيث قال:
إن كان حظي في الحياة قليلها فالصبر يا مولاي فيه رضاك
وكان مؤرخا ً يجيد علم التاريخ وكان له فيه محطات كثيرة .
ذو بصيرة نافذة في الأمور.. وكان هذا هو السبب في النشاط السياسي الذي تبناه بانتمائه لحزب الدستور بعد استقالته من حزب النور ورأيه أن أفضل من كان يصلح للرئاسة بعد الثورة هو الدكتور البرادعي.. لأن وجوده يقلل من التآمر الغربي ونشاط الفلول ويستطيع منازلة المجلس العسكري علاوة علي تجمع الشباب من حوله .
وكان هذا رأي كثير من القوي السياسية.. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .
ثم يلخص الشيخ محمد إسماعيل المقدم خلاصة صفات الراحل الكريم رحمه الله بقوله إنه كان : "مسلم- سلفي - أثري- رحاله - خلوق - ثائر- باحث- مدقق- بارع- سكندري- مصري- تراثي- لغوي- أديب- مثقف- ذكي- مهذب سابق لعصره- ذو بصيرة نافذة - شجاع - منفتح- متسامح -نخبوي- سياسي".
وهكذا تكون هذه الأوصاف مسك الختام للتعبير عن شخصية هذا المجاهد الثائر محمد يسري سلامة الذي يجب علي الجميع أن يستفيدوا من سيرته ويدرسوا أسلوبه.. حيث استطاع بما يشبه السهل الممتنع أن يوفق بين سلفيته المغرقة في عمقها وانضمامه إلي حزب ليبرالي يضم كثيرا ً من الشباب الذين وجدوا في يسري ملجئا ً وطريقا ً للجمع بين الالتزام الديني والممارسة الثورية من خلال حزب مدني يتبني أهدافَ ومبادئ الثورة كإطار للعمل العام رحم الله محمد يسري سلامة.. وعوض الأمة عنه خيرا ً.
[email protected]
الاثنين الموافق:
4 جماد الآخر 1434هـ
15-4-2013م
عودة الى الذين سبقونا
|