المترددون لا يشيدون نهضة ولا يبنون أمة بقلم/ سمير العركي
دائما ً ما يحفل مسار التاريخ باللحظات المفصلية التى تحتاج إلى رجال أصحاب قدرات.. خاصة يملكون القدرة على اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب.. ويمضون قدما ً في تنفيذه دونما خوف أو تردد.. إذ إنه من المحال أن تشيد نهضة أو تبنى أمة على يد المترددين الخائفين.. بل الأمر يحتاج إلى أصحاب العزمات الماضية والإرادات الحديدية.
وفى مسار تاريخ أمتنا أكثر من شاهد ودليل.. ولكنى أريد أن أذكر هنا بموقف الشيخ الكبير الذى كان قد تخطى الستين آنذاك.. وكان يملك قلبا رقيقاً تسبقه دمعته.. وما عرفت عنه شدة.. ولا سجلت فى حقه حالات حدة.. إلا إذا كانت لله عز وجل.
ولكن في لحظة مفصلية من لحظات تاريخ.. إذ بأبي بكر الصديق رضي الله عنه يتحول إلى رجل آخر يقرأ واقعه جيدا ً.. ويستشرف مستقبله كأفضل ما يكون.. ويتخذ قراره ولا يبالى بمتخوف أو معترض.
شعر الصديق رضي الله عنه عقب توليه الحكم عقب.. وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وتفجر جزيرة العرب بأحداث الردة أن مستقبل الإسلام على المحك.. وهو الذي عاش يكافح ويجاهد من أجل ظهوره وعلوه.. وتحمل المشاق والعنت مع حبيبه صلى الله عليه وسلم.. ولم يكن بوسعه أن يقف موقف المتردد والإسلام ينسل من جزيرة العرب.. ولا أن يبحث عن حل توافقي.. خاصة مع مانعي الزكاة الذين أرادوا أن يأخذوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض.. أرادوا أن يؤدوا شعائر الإسلام.. ولكن لا يدفعون الزكاة.. فصمم الصديق على قتالهم.. وعندما جاءه الفاروق رضي الله عنه معترضا ً ومجادلا ً ويقول له:
"كيف تقاتل قوما ً.. وقد قالوا لا إله إلا الله".
ولكن الصديق كان يعرف أنه إذا تهاون فى شأن الزكاة.. فسيأتي قوم بعدها يسألونه ترك الصلاة.. وآخرون يريدون ترك الحج ودواليك حتى تنقضي عرى الإسلام عروة عروة.. فصاح في الفاروق:
" واها يا ابن الخطاب أجبار فى الجاهلية خوار فى الإسلام.. والله لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.. إلخ ".
ومضى الشيخ الأسيف البكاء أبو بكر فى طريقه حتى استتب له الأمر وقضى الله على يديه على الفتنة حتى قيل: "ردة ولا أبا بكر لها".
بل وأصر على إنفاذ بعث أسمة رغم المخاطر الجمة التى أحاطت بالمدينة المنورة حينها.
تذكرت هذا الموقف الرائع.. وأنا أطالع موقف الحركة الإسلامية اليوم من اختيار الرئيس المقبل.. وهى تقف موقف المتردد.. بل الخائف الوجل من دعمها لمرشح ينتمي إلى المشروع الإسلامى فكرا وسلوكاً .
حتى ذهب البعض مذاهب شتى فى البحث عن الرئيس التوافقي الذي يرضى العلمانيين بجميع معسكراتهم والعسكريين وأيضا أمريكا والغرب.. ومن باب ذر الرماد فى العيون قيل فى النهاية أن يكون متوافقا مع المشروع الإسلامي.
وكأن الإسلاميين لا يريدون أن يتعظوا من حوادث التاريخ.. فكم من رئيس أوصلوه بإرادتهم إلى كرسي الحكم فإذ بهم هم أول الضحايا.. فعلها المشايخ الأفاضل مع محمد على باشا فكان ما كان من بطشه الشديد بهم.. وفعلها الإخوان مع عبد الناصر فكان ما كان من بطش بالإسلاميين استمر قرابة الستة عقود!.. ودفعنا نحن بعدهم بعقود ثمن تلك الأخطاء من عمرنا وشبابنا وأمننا وكرامتنا الإنسانية.
واليوم يريد البعض أن يجدد الأحزان ويعيد كتابة المأساة خوفا ً من أن يقول البعض لقد تفرد الإسلاميون بالحكم.. وقلقا من مستقبل قد لا يقوون فيه على الوفاء بمتطلباته.. وخوفاً من تحمل الأمانة بكل صدق وشجاعة وعدم ثقة فى قدرات النفس وإمكانيات الذات.
وفى رأيي أن جزءً كبيرا ً من الأزمة يكمن فى الحسابات المنفردة التى تحسبها بعض الحركات والفصائل.. ونظرتها إلى إمكانياتها هي لا إلى إمكانيات الأمة لأكملها.. وهي التي من وضعت ثقتها فى تيار عريض يملأ البلاد من شمالها إلى جنوبها.. ولا حتى النظر إلى إمكانيات الحركة الإسلامية نفسها بغض النظر عن المسميات واللافتات.
إضافة إلى أحاديث الإرجاف والتثبيط التى أقنعنا بها أنفسنا كحركة إسلامية من أن مصر لن يتمكن فصيل واحد من القيام بأعبائها.. ولن يستطيع تيار معين أن يواجه مشاكلها.. مما أفقدنا الثقة فى أنفسنا فى هذه اللحظة المفصلية التى تحتاج إلى رجال أولى عزم وإرادة.. يعلمون أنهم أمام لحظة تاريخية لا تتكرر إلا كل عقود طويلة.. وضياعها قد يعنى ضياع أجيال وأجيال.
أرجو أن تتم معالجة الاستحقاق الرئاسي داخل الحركة الإسلامية على ضوء تحديات النهضة الإسلامية التى نطمح إليها.. بعيدا ً عن التربيطات التحتية التي يبدو أنه ليس من حقنا أن نعلمها.. ولكن فقط نسدد فاتورتها.
اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز التقي
[email protected]
الاثنين الموافق
19-4-1433هـ
12-3-2012م
عودة الى قضايا معاصرة
|