تبادل حروف الجر في القرآن الكريم بقلم/ تراجي الجنزوري
للشيخ الشعرواي لطائف وخواطر مع تفسير القرآن العظيم وخاصة في جانب اللغة.. وبينما فضيلته يسطر خواطره حول سورة طه وتحديداً في قوله تعالي (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى).
فذكر فضيلته أن الأصل في الصلب علي الجذوع وليس فيها.. ولكن لما ذكر القرآن "فِي" فهذا لعلة بلاغية مقصودة.. وهي أن فرعون من شدة حنقه وغضبه وكيده سيحاول جاهداً وبكل ما يملك أن يشد عليهم الوثاق والضغط بالحبال حتى يدخلهم في الجذوع.. من أجل ذلك جاءت لفظة "في" وليس "علي"
هذا الأمر جعلني أقوم بالبحث عن استعمالات حروف الجر في القرآن الكريم.. وخاصة التي تعمل لمقصود بلاغي دقيق وتبادل العمل بينهما.
فبادئ ذي بدء...
حروف الجر علي أصح الأقوال عشرون جمعها ابن مالك في ألفيته بقوله:
هاك حروف الجر وهي من إلي حتى خلا حاشا عدا في عن علي.
مذ منذ رب اللام كي واو وتا والكاف والباء ولعل ومتى.
والمتداول من هذه الحروف خمسة عشر حرفا ً.. سبعة منها تجر الأسماء الظاهرة والمضمرة جميعاً .. وثمانية تجر الأسماء الظاهرة فحسب.
فالسبعة الجارة للأسماء الظاهرة والمضمرة جميعاً هي !
من.. إلي ..عن .. علي .. في .. الباء .. اللام.
والثمانية الجارة للأسماء الظاهرة فقط !
حتى .. الكاف .. الواو .. التاء .. كي .. مذ .. منذ .. رب.
وإليك أخي الكريم نماذج من تبادل العمل بين حروف الجر في القرآن الكريم:
أولاً: (من)
استعملت من بالمعاني الآتية في القرآن الكريم..
بمعني (الباء) في قولة تعالي (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي ودون الجهر بالقول.. (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) أي بخطيئاتهم.
بمعني (عن) في قولة تعالي (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) أي عن هذا.. وكما في قوله تعالي (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) أي عن ذكر الله.
بمعني (علي) يقول تعالي (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا) أي لتركبوا عليها.. يقول تعالي (نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي علي القوم الظالمين.
بمعني (في) يقول تعالي (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي في يوم القيامة.
ثانيا: (إلي)
إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن (إلي) أتت بالمعاني الآتية...
بمعني (حتى) وذلك في قوله تعالي (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) أي حتى الليل.
بمعني (في) وذلك في قوله تعالي (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ) أي في يوم القيامة
ثالثاً: (عن)
إن القارئ لكتاب الله المقروء يجد أن (عن) أتت بالمعاني الآتية...
بمعني (علي) قال تعالي (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ) أي يبخل علي نفسه.
بمعني (اللام) قال تعالي (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ) أي لقولك.
بمعني (الباء) قال تعالي (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) أي بالهوى.
بمعني (في) قال تعالي (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ) أي في زمن قريب.
بمعني (من) قال تعالي (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) أي من عباده.
رابعاً: (علي)
إن المتأمل والمتدبر لآيات الله يجد أن (علي) أتت بالمعاني الآتية...
بمعني (في) وذلك في قولة تعالي (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) أي في حين غفلة من أهلها.
بمعني (من) قال تعالي (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي من الناس.
بمعني (الباء) وذلك في قوله تعالي (حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ) أي حقيق بألا أقول علي الله إلا الحق.
بمعني (اللام) وذلك في قولة تعالي (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي لتكبروا الله لما هداكم.. قال تعالي (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) أي تساقط لك.
بمعني (إلي ) قال تعالي (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ) أي فخرج إلي قومه.
بمعني (عن) قال تعالي (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) أي عن الله.
خامساً: (في)
أيها الحبيب ولو دققت النظر والفكر في كتاب الله ستجد أن حرف الجر (في) ورد بالمعاني الآتية...
1- بمعني (علي) كما في قوله تعالي (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي علي جذوع النخل.
2- بمعني (الباء) كما في قولة تعالي (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) أي بالقصاص.
3- بمعني (إلي) قال تعالي (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) أي إلي آذانهم.
4- بمعني (من) قال تعالي (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) أي منها.
سادساً: (الباء)
وردت بمعني (في) يقول تعالي (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) أي في العشي (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ) أي في بدر.
بمعني (من) قال تعالي (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) أي منها.
بمعني (اللام) قال تعالي (بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) أي لأي.. قال تعالي ( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي لكم.
بمعني (عن) قال تعالي (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) أي عنه.
بمعني (علي) قال تعالي (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) علي قنطار.
بمعني (إلي) قال تعالي (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي) أي إلي.
سابعاً:ً (اللام)
وردت اللام بالمعاني الآتية..
بمعني (عن) يقول ربنا (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ) أي عمن يقتل .
بمعني (علي) يقول ربنا (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ) أي علي الأذقان (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أي فعليها.
بمعني (حتى) يقول ربنا (كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى) أي حتى أجل مسمي.
ثامناً: (الكاف)
وردت بمعني (اللام ) في قوله تعالي(وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) أي لما هداكم.
تاسعاً: (حتى)
(حتى) تقوم حتى بمعني إلي كما في قوله تعالي (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي إلي مطلع الفجر.
عاشراً: (الواو)
وردت بمعني الباء في القسم كما في قوله تعالي (والْفَجْرِ) أي أقسم بالفجر.
حادي عشر: (التاء)
وردت التاء بمعني الباء في قوله (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم) أي أقسم بالله.
مما أوردنا سالفا يتضح أن حروف الجر تتبادل العمل فيما بينها.. وذلك لمعان بلاغية وأسلوبية مقصودة.
وقد أوردناها إليكم بهذا الشكل المختصر تاركا لكم إعمال الفكر والعقل والبحث في الوصول إلي المعاني البلاغية المقصودة.
الجمعة الموافق
27-7-1431هـ
9-7-2010م
عودة الى من علوم القرأن
|