المعروف على قدر المعرفة بقلم/ تراجي الجنزوري
لقد كان لسلف هذه الأمة مواقف عالية الدقة.. رفيعة المستوى.. لطيفة المعنى.. تدل على عمق الفكرة وسداد الفهم وسلامة الحركة ورقي التصور .
ولم لا .. وقد تخلقوا بأخلاق محمد (ص ).. فرأى الناس منهم رحمة محمد وشفقة أبي بكر وعدل عمر وحياء عثمان وشجاعة علي وبسالة خالد وصبر بلال وفقه عائشة وحلم أشج وكرم طلحة .
ولم لا.. وقد نشروا الفضيلة وحققوا العفة والطهارة.. وبثوا الصدق والأمانة والمروءة .
فكانوا أدوات بناء لا معاول هدم.. كانوا يجمعون ولا يفرقون.. كانوا يعمرون ولا يخربون.. كانوا مشاعل هدى ونور..لا تكفير ولا تفسيق ولا تبديع.. كانوا ينشرون الورود..لا يزرعون القنابل .
يجبرون لا يكسرون
يرقعون لا يخرقون
يطفئون لا يحرقون
المعروف على قدر المعرفة
قصد أعرابي الحسين بن علي رضي الله عنهما وصلى الله على جده أفضل صلاة وأتم وأزكى تسليم.. وإذا ذكر الحسين.. ذكر الجود والكرم .
فسلم عليه.. وجلس بين يده.. يسأله الحاجة..
فقال : سمعت جدك يقول : إذا سألتم حاجة فسألوها من أحد أربعة :
عربي شريف
أو مولى كريم
أو حامل قرءان
أو صاحب وجه صبيح
وقد اجتمعت فيك الأربع
أما العرب فقد شرفت بكم
أما الكرم فدأبكم وسيرتكم
وأما القرآن ففيكم نزل
وأما الوجه الصبيح.. فقد قيل من أراد أن ينظر إلى رسول الله (ص).. فلينظر إلى الحسن والحسين .
فقال الحسين : وما حاجتك ؟
فكتبها على الأرض .
فقال الحسين : سمعت أبي عليا يقول : المعروف على قدر المعرفة .
وإن سائلك أسئلة..
إن أجبت الأولى فلك ثلث ما معي.. وإن أجبت الثانية فلك الثلثان.. وإن أجبت الثلاث فلك كل ما معي.. وكان معه صرة مختومة من العراق .
فقال الأعرابي : سل ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فقال الحسين :
أي الأعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله
قال : فما نجاة العبد ؟ قال : الثقة بالله
قال : فما يزين المرء ؟ قال : علم معه حلم
قال : فإن أخطأه ذلك ؟ قال : مال معه كرم
قال : فإن أخطأه ذلك ؟ قال : فقر معه صبر
قال : فإن أخطأه ذلك ؟ قال : فصاعقة من السماء تحرقه
فضحك الحسين رضي الله عنه ورمى له بالصرة .
الحكمة ضالة المؤمن
ما أحوجنا لأن ننزل هذا المنزل..فالحكمة ضالة المؤمن..فأينما وجدها فهو أحق الناس بها.. حتى لو جاءت على لسان سائل يسأل الحاجة فلنجدد إيماننا بالله.. ونحقق ثقتنا فيه وتوكلنا عليه وإنابتنا إليه وتضرعنا له..فعلى قدر اليقين تكون الثقة..وعلى قدر الثقة يكون التوكل.. وعلى قدر التوكل يكون اللجأ.. وعلى قدر اللجأ يكون التبتل والتضرع .
ولنتزين بالعلم المصحوب بالحلم.. فما أضر البلاد والعباد.. إلا قلة العلم وانتشار الجهل وتصدر الحدث للفتوى.. فأفتى بغير علم .
وليكن الكرم سبيلنا.. كرم الأخلاق وكرم العطاء.. فنجبر الكسر ونستر العيب ونرقع الخرق ونقوم المعوج ونصوب الصحيح ونصحح الخطأ .
ولنركب مطية الشكر في الرخاء.. ومطية الصبر في الضراء حتى لا نخطئ ذلك كله.. وﻻ يخطئنا ذلك .. فنندم ولات حين مندم.
عودة الى الطريق الى الله
|